سورة سبأ - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{قال الذين استكبروا} أي أجاب المتبوعون في الكفر {للذين استضعفوا أنحن صددناكم} أي منعناكم {عن الهدى} أي عن الإيمان {بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين} أي بترك الإيمان {وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار} أي مكركم بنا في الليل والنهار وقيل مكر الليل والنهار هو طول السلام في الدنيا وطول الأمل فيها {إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً} أي هو قول القادة للأتباع إن ديننا الحق وإن محمد كذاب ساحر وهذا تنبيه للكفار أن تصير طاعة بعضهم لبعض في الدنيا سبب عداوتهم في الآخرة {وأسروا الندامة} أي أظهروها وقيل: أخفوها وهو من الأضداد {لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} أي في النار الأتباع والمتبوعين جميعاً {هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} أي من الكفر والمعاصي في الدنيا. قوله عز وجل: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها} أي رؤساؤها وأغنياؤها {إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا} يعني المترفين والأغنياء للفقراء الذين آمنوا {نحن أكثر أموالاً وأولاداً} يعني لو لم يكن الله راضياً بما نحن عليه من الدين والعمل الصالح لم يخولنا أموالاً ولا أولاداً {وما نحن بمعذبين} أي إن الله قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يعني أنه تعالى يبسط الرزق ابتلاء وامتحاناً ولا يدل البسط على رضا الله تعالى ولا التضييق على سخطه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أي إنها كذلك {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} أي بالتي تقربكم عندنا تقريباً {إلا} أي لكن {من آمن وعمل صالحاً} قال ابن عباس يريد إيمانه وعلمه يقربه مني {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} أي يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة {وهم في الغرفات آمنون والذين يسعون في آياتنا} أي يعملون في إبطال حججنا {معاجزين} أي معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتنا {أولئك في العذاب محضرون}. قوله تعالى عز وجل: {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} أي يعطي خلفه إذا كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ويعوضه لا معوض سواه إما عاجلاً بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، وإما بالثواب في الاخرة الذي كل خلف دونه، وقيل ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم من خير فهو يخلفه على المنفق. قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقره، ولا يتأولن وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فإن هذا في الآخرة ومعنى الآية ما كان من خلف فهو منه.
(ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى: أنفق ينفق عليك» ولمسلم «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك».
(ق) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً».
(م) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبد اً بعفو إلا عزاً وما تواضع لله إلا رفعه الله» {وهو خير الرازقين} أي خير من يعطي ويرزق لأن ما رزق غيره من سلطان يرزق جنده أو سيد يرزق مملوكه أو رجل يرزق عياله فهو من رزق الله أجراه الله على أيدي هؤلاء وهو الرزاق الحقيقي الذي لا رازق سواه.


قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً} يعني هؤلاء الكفار {ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبد ون} أي في الدنيا وهذا استفهام تقريع وتقرير للكفار فتتبرأ الملائكة منهم من ذلك وهو قوله تعالى: {قالوا سبحانك} أي تنزيها لك {أنت ولينا من دونهم} أي نحن نتولاك ولا نتولاهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم {بل كانوا يعبد ون الجن} يعني الشياطين. فان قلت قد عبد وا الملائكة فكيف وجه قوله بل كانوا يعبد ون الجن. قلت أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فأطاعوهم في ذلك فكانت طاعتهم للشياطين عبادة لهم وقيل صوروا لهم صوراً وقالوا لهم هذه صور الملائكة فاعبد ها فعبد وها وقيل كانوا يدخلون في أجواف الأصنام فيعبد ون بعبادتها {أكثرهم بهم مؤمنون} يعني مصدقون للشياطين قال الله تعالى: {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً} أي شفاعة {ولا ضراً} أي بالعذاب يريد أنهم عاجزون ولا نفع عندهم ولا ضر {ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم {يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى} يعنون القرآن {وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين وما آتيناهم} يعني هؤلاء المشركين {من كتب يدرسونها} أي يقرؤونها {وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا أنزل إليهم كتاب {وكذب الذين من قبلهم} أي من الأمم السالفة رسلنا {وما بلغوا} يعني هؤلاء المشركين {معشار} أي عشر {ما آتيناهم} أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول الأعمار {فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} أي إنكاري عليهم يحذر بذلك كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية. قوله عز وجل: {قل إنما أعظكم} أي آمركم وأوصيكم {بواحدة} أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال تعالى: {أن تقوموا لله} أي لأجل الله {مثنى} أي اثنين {وفرادى} أي واحداً واحداً {ثم تتفكروا} أي تجتعوا جميعاً فتنظروا وتتحاوروا وتتفكروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا أن {ما بصاحبكم من جنة} ومعنى الآية إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لله وليس المراد به القيام على القدمين ولكن هو الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة فتقوموا لوجه الله خالصاً ثم تتفكروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به أمان الاثنان فيتفكران، ويعرض كل منهما محصول فكره على صاحبه لينظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى وأما الفرد فيفكر في نفسه أيضاً بعدل ونصفة هل رأينا في هذا الرجل جنوناً قط أو جربنا عليه كذباً قط وقد علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل قد علمتم أنه من أرجح قريش عقلاً وأوزنهم حلماً وأحدهم ذهناً وأرصنهم رأياً وأصدقهم قولاً وأزكاهم نفساً، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحونه به وإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية وإذا جاء بها تبين أنه نبي نذير مبين صادق فيما جاء به وقيل: تم الكلام عند قوله: {تتفكروا} أي في السموات والأرض فتعلموا أنه خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد قل ما سألتكم} أي على تبليغ الرسالة {من أجر} أي جعل {فهل لكم} أي لم أسألكم شيئاً {إن أجري} أي ثوابي {إلا على الله وهو على كل شيء شهيد قل إن ربي يقذف بالحق} أي يأتي بالوحي من السماء فيقذفه إلى الأنبياء {علام الغيوب} أي خفيات الأمور {قل جاء الحق} أي القرآن والإسلام {وما يبدئ الباطل وما يعيد} أي ذهب الباطل وزهق فلم تبق منه بقية تبدئ شيئاً أو تعيده وقيل الباطل هو إبليس والمعنى لا يخلق إبليس أحداً ابتداء ولا يبعثه إذا مات وقيل الباطل الأصنام.


{قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي} وذلك أن كفار مكة كانوا يقولون له إنك قد ضللت حين تركت دين آبائك فقال الله تعالى قل إن ضللت فيما تزعمون أنتم فإنما أضل على نفسي أي إثم ضلالتى على نفسي {وإن اهتديت فبما يوحي إليَّ ربي} أي في القرآن والحكمة {إنه سميع قريب} قوله عز وجل: {ولو ترى} أي يا محمد {إذ فزعوا} أي عند البعث أي حين يخرجون من قبورهم وقيل عند الموت {فلا فوت} أي لا يفوتوننا ولا نجاة لهم {وأخذوا من مكان قريب} قيل من تحت أقدامهم، وقيل أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها حيثما كانوا فإنهم من الله قريب لا يفوتونه، ولا يعجزونه وقيل: من مكان قريب يعني عذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وقيل: هو خسف بالبيداء ومعنى الآية ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمراً تعتبر به {وقالوا آمنا به} أي حين عاينوا العذاب قيل هو عند اليأس وقيل هو عند البعث {وأنى لهم التناوش} أي التناول والمعنى كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريباً منهم في الدنيا فضيعوه وقال ابن عباس يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وأنى لهم الرد إلى الدنيا {من مكان بعيد} أي من الآخرة إلى الدنيا {وقد كفروا به من قبل} أي القرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة {ويقذفون بالغيب من مكان بعيد} قيل هو الظن لأن علمه غاب عنهم والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون، والمعنى يرمون محمداً صلى الله عليه وسلم بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون وهو قولهم إنه شاعر ساحر كاهن لا علم له بذلك وقيل يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} أي الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا ونعيمها وزهرتها {كما فعل بأشياعهم} أي بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار {من قبل} أي لم تقبل منهم التوبة في وقت اليأس {إنهم كانوا في شك} أي من البعث ونزول العذاب بهم {مريب} أي موقع الريبة والتهمة، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

1 | 2 | 3